Dreams

ما سبب تكرار الأحلام؟ التفسير النفسي والعلمي

ما سبب تكرار الأحلام؟ التفسير النفسي والعلمي

هل حدث أن استيقظت متعجبًا لأنك رأيت الحلم نفسه أكثر من مرة؟ ربما نفس المكان، الأشخاص، أو حتى الموقف، يتكرر وكأنه مشهد محفوظ في ذاكرتك لا يريد أن يغادرها. تكرار الأحلام من أكثر الظواهر الغامضة في عالم النوم، يثير القلق أحيانًا والفضول دائمًا. فهل هي رسالة خفية من العقل الباطن؟ أم تحذير من شيء لم نواجهه بعد؟ العلماء والمفسرون قديمًا وحديثًا تناولوا هذه الظاهرة بعمق، فجمعوا بين التفسير النفسي والعلمي والروحي في محاولةٍ لفهم ما يدور في ذلك المسرح السري الذي يُقام كل ليلة خلف جفوننا.

الأحلام المتكررة لا تأتي عبثًا، بل هي انعكاس لمشاعرٍ لم تُحلّ أو مواقف لم تُفهم بعد. العقل الباطن يعيد عرضها مرارًا كأنه يطالبنا بالانتباه، يريد منا أن نغلق بابًا لم نغلقه أو نفهم درسًا تجاهلناه. وفي بعض الحالات، يكون تكرار الحلم بمثابة صرخة من الداخل تدعونا إلى التغيير أو المصالحة مع الذات.

التفسير النفسي لتكرار الأحلام

من وجهة نظر علم النفس، تكرار الحلم يعني أن هناك فكرة أو مشاعر لم تجد طريقها إلى الوعي الكامل بعد. فرويد يرى أن الأحلام المتكررة تعكس صراعًا داخليًا بين الرغبات المكبوتة والضمير، فهي وسيلة للعقل الباطن ليعبّر عن ما لا يمكن قوله في اليقظة. أما كارل يونغ فيرى أن تكرار الحلم هو محاولة من النفس لتحقيق التوازن النفسي وإيصال رسالة رمزية إلى صاحبها.
مثلًا، إذا كنت تحلم مرارًا بأنك تائه أو متأخر عن موعد، فهذا يعكس قلقًا داخليًا من فقدان السيطرة أو الشعور بعدم الجاهزية. وإذا تكرر حلم السقوط أو المطاردة، فغالبًا ما يكون وراءه خوف من الفشل أو من مواجهة أمرٍ يهدد الأمان النفسي.

تفسير ابن سيرين لتكرار الأحلام

يقول ابن سيرين إن تكرار الرؤيا ليس دائمًا نذيرًا أو بشارة، بل قد يكون من كثرة التفكير أو الانشغال بالأمر نفسه. فإذا رأى الإنسان حلمًا واحدًا يتكرر بصور مختلفة، فعليه أن ينظر في حياته الواقعية، فقد يكون في ذلك الحلم دلالة على همٍّ لم يُرفع أو أمرٍ لم يُنجز.
أما إن كانت الرؤيا الطيبة تتكرر بنفس الشكل، فهي في الغالب تأكيدٌ من الله تعالى على بشارةٍ أو وعدٍ قادم، خصوصًا إن رافقها شعورٌ بالطمأنينة والراحة. أما الكوابيس المتكررة فيراها ابن سيرين من وساوس الشيطان، ويُنصح صاحبها بالإكثار من الأذكار وقراءة المعوذتين قبل النوم.

تفسير النابلسي لتكرار الأحلام

يرى النابلسي أن تكرار الأحلام مرتبط بحال النفس والروح. فإن كان الحلم يحمل خيرًا أو نورًا ويتكرر، فهو بشارة، وإن كان مخيفًا فهو من انعكاس القلق أو الذنوب. ويشير إلى أن الحالم إذا تجاهل ما يراه من رموزٍ متكررة، فإنها قد تستمر في العودة حتى يُدرك معناها أو يُصلح ما يشير إليه الحلم في حياته.
ويُشبّه النابلسي تكرار الحلم بالنداء المتكرر من الله أو من النفس، فالرؤيا الصادقة لا تُرهقك بل تُذكّرك.

تفسير ابن شاهين لتكرار الأحلام

يفسر ابن شاهين الأحلام المتكررة بأنها رسائل من الله أو من النفس حسب طبيعتها. فإن كانت صافية ومريحة فهي رؤيا للتثبيت أو التبشير، أما إن كانت مزعجة فهي تحذيرٌ من التمادي في أمرٍ خاطئ. ويرى أن تكرار نفس الرمز، كالماء أو النار أو السقوط، يحمل دلالة خاصة لا تتغير إلا بتغير حال الرائي. ويؤكد أن من الحكمة عدم التسرع في تفسيرها دون تدبر أو مشاورة من يفقه علم الرؤى.

الأسباب العلمية لتكرار الأحلام

علميًا، يشير الباحثون إلى أن تكرار الأحلام يرتبط بدورات النوم، خصوصًا مرحلة “REM” التي ينشط فيها الدماغ بشدة. خلال هذه المرحلة، يعيد العقل معالجة المعلومات والأحداث التي عاشها الفرد في يومه. فإذا كانت التجارب مؤثرة أو عاطفية، فقد تُعاد صياغتها في شكل حلمٍ متكرر.
أيضًا، تشير الدراسات إلى أن الأشخاص الذين يعانون من التوتر المستمر أو القلق أو قلة النوم هم أكثر عرضة للأحلام المتكررة. ويحدث الأمر نفسه لدى من مرّوا بصدماتٍ أو أحداثٍ لم تُغلق نفسيًا بعد، فيُعيد الدماغ عرضها في الأحلام كآلية للشفاء الذاتي.

الأحلام المتكررة الإيجابية

ليست كل الأحلام المتكررة مزعجة، فبعضها يأتي محمّلًا بالسكينة. قد يحلم الشخص مرارًا بمكانٍ مريح أو بلقاءٍ جميل أو بوجهٍ مألوف يبعث الطمأنينة. هذه الأحلام تعبر عن رغبة العقل في التوازن، أو شعور بالحنين، أو تأكيدٍ على مسارٍ روحي أو نفسي صحيح يسلكه الرائي.

الكوابيس المتكررة: صرخة من الداخل

حين تتكرر الكوابيس بشكلٍ مرهق، فهذا يعني أن الجسم والعقل في حالة إنذار. فهي انعكاس لمخاوف مكبوتة أو ضغطٍ عاطفي قوي. وقد تظهر في شكل مطاردة، أو سقوط، أو موت، أو فشل متكرر. ينصح الأطباء في هذه الحالة بمحاولة فهم مصدر التوتر، وممارسة التأمل أو الكتابة اليومية لتفريغ المشاعر.

متى تكون الأحلام المتكررة رسالة روحية؟

إذا كان الحلم يتكرر بنفس التفاصيل مع شعورٍ قوي بالسكينة أو الرهبة، فقد يحمل معنى روحيًا عميقًا. في التراث الإسلامي، يُعتبر تكرار الرؤيا الصادقة تأكيدًا ربانيًا على معنى معين أو بشارة قادمة. وقد حدث ذلك للأنبياء، كما في رؤيا إبراهيم عليه السلام التي تكررت في أمر ذبح ابنه إسماعيل.

كيف تتعامل مع الأحلام المتكررة؟

الخطوة الأولى هي عدم تجاهلها. سجّلها فور استيقاظك، وابحث عن القواسم المشتركة بينها. ما الذي يتكرر؟ المشاعر؟ الأشخاص؟ الأماكن؟ هذه المفاتيح قد تكشف المعنى الحقيقي.
أما من الناحية الدينية، فاستعن بالأذكار قبل النوم، وصلِّ ركعتين بنية الطمأنينة، وادعُ الله أن يريك الحق حقًا.
ومن الناحية النفسية، جرّب أن تواجه ما تخافه في حياتك اليومية، فربما زوال السبب يوقف تكرار الحلم تلقائيًا.

هل يمكن إيقاف تكرار الحلم؟

نعم، ولكن ليس بالقوة. حين يُفهم الحلم وتُحلّ أسبابه النفسية أو العاطفية، يتوقف تلقائيًا. أحيانًا، مجرد الحديث عنه أو كتابته يخفف من تكراره، لأن العقل الباطن يشعر أنه أوصل الرسالة أخيرًا.

الخلاصة

تكرار الأحلام ليس لغزًا غامضًا، بل رسالة متكررة من أعماق النفس أو من العالم الروحي. أحيانًا تطلب منا شفاءً، وأحيانًا تذكيرًا أو تغييرًا. المهم أن نصغي إليها بعقلٍ متزن وقلبٍ مطمئن، دون خوفٍ أو تهويل. فالحلم المتكرر ليس عدوًا، بل مرآة تقول لك: هناك ما يحتاج إلى انتباهك.

المصادر

  • كتاب تفسير الأحلام الكبير – ابن سيرين

  • موقع Psychology Today – “Why Do We Have Recurring Dreams?”

  • موقع VeryWellMind – “The Science Behind Recurring Dreams”

  • موقع إسلام ويب – “تكرار الأحلام بين النفس والرسالة”

  • كتاب كارل يونغ – الإنسان ورموزه (Man and His Symbols)

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *